جرائم الحوثيين.. بين صمت المجتمع الدولي وتغاضي المنظمات الأممية

جرائم الحوثيين.. بين صمت المجتمع الدولي وتغاضي المنظمات الأممية

تتعدد انتهاكات مليشيا الحوثيين بحق أبناء الشعب، مخلفة الكثير من المعاناة والجروح الغائرة جراء تلك الانتهاكات والتجاوزات التي باتت ديدنا للمليشيا الانقلابية، حيث دأبت على تكرارها، بل وضاعفت منها وتفننت فيها واستحدثت العديد من الجرائم بحق أبناء المجتمع، والتي باتت تتكرر بشكل يومي من قبل تلك المليشيا، والتي عادة ما تقابل بصمت دولي مطبق.

ونتيجة للصمت الدولي والجهات المعنية بحقوق الإنسان، فقد صعّد الحوثيون من جرائمهم وانتهاكاتهم بحق أبناء الشعب لتشمل كل شرائح المجتمع اليمني، إذ طالت تلك الانتهاكات الأطفال والنساء والشيوخ، وتنوعت بين قصف المدنيين، وانتهاك حقوق المرأة والطفل، وزراعة الألغام، وقصف المناطق الآهلة بالسكان، وقطع رواتب الموظفين، وتعذيب السجناء، وتجنيد الأطفال، وغيرها من الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب.

اختطافات بالجملة

بعد اقتحام مليشيا الحوثيين العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، توسعت دائرة الاعتقالات للخصوم والمعارضين وغير المنتمين للمليشيا، حيث بدأت موجة الاعتقالات السياسية خلال تلك الفترة بشكل عشوائي على يد المليشيا الحوثية.

وقد وثقت العديد من التقارير الحقوقية اعتقال مليشيا الحوثيين الانقلابية الآلاف من أبناء الشعب من الناشطين والحقوقيين والصحفيين والتربويين والنساء والأطفال وغيرهم من شرائح المجتمع.

وتقول مصادر إن الحوثيين يديرون حوالي 203 معتقلات منها 78 سجنا بطريقة رسمية، و125 معتقلا سريا، بالإضافة إلى استحداثها معتقلات سرية خاصة في أقبية المؤسسات العامة والمواقع العسكرية والمدارس والجامعات، وأخرى في مبان سكنية، وتدار كلها بطريقة جائرة، إذ لا تتوفر فيها أدنى معايير حقوق الإنسان اللازم توفرها في أماكن الاحتجاز.

وقد رافقت حالات الاختطاف والتغييب القسري الذي تقوم به مليشيا الحوثيين ألوانا مختلفة من التعذيب الوحشي بحق المختطفين والمغيبين في سجون المليشيا، شملت الحرمان من الطعام والماء والنوم، والصعق الكهربائي، والتحرش الجنسي، وتكسير الأطراف، والضرب في كل مناطق الجسد، وغيرها من الانتهاكات.

وعلى الرغم من خطورة تلك الانتهاكات وبشاعة ما تقوم به المليشيا بحق المختطفين والمغيبين في سجونها، واستمرار مدة الاعتقال لفترة أطول، إلا أن ذلك يقابل بصمت مريب من قبل المنظمات الدولية، والجهات المعنية بحقوق الإنسان، دون القيام بأي إجراءات أو تدخل للحد من تلك الانتهاكات.

اغتيال حقوق الطفولة

صمت المنظمات الدولية أغرى مليشيا الحوثيين في الإمعان بتجاوزاتها بحق المواطنين، ليشمل ذلك انتهاك حقوق الأطفال بطريقة سافرة وبشكل غير مسبوق.

فلم يعد يقتصر الأمر على حرمان الأطفال من التعليم والغذاء والدواء والأمن وغيرها من الحقوق التي كفلتها القوانين الدولية والشرائع المرعية، بل وصل الحال بالمليشيا إلى إقحام الأطفال في الصراع الدائر في اليمن منذ ثماني سنوات.

ووفقا لتقرير صدر في منتصف العام الماضي 2021 عن "التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان"، فقد جندت مليشيا الحوثيين 12054 طفلاً في عدد من المحافظات خلال الفترة من مايو 2014 وحتى مايو 2021.

ويوضح التقرير أن من بين المجندين الـ12054 طفلاً، الذين جندتهم المليشيا، 308 أطفال مجندين ينتمون للفئة العمرية ما بين 8 و11 عاما، و4430 طفلاً ينتمون للفئة العمرية ما بين 12 و14 عاماً، و7305 أطفال في الفئة العمرية ما بين 15 و17 عاما.

ويشير التقرير إلى أن "الفريق الميداني لتحالف رصد وثق وجود 6729 طفلاً مجنداً لا يزالون مستمرين بالقتال مع المليشيا، فيما قُتل 2450 طفلا في العمليات العسكرية، وأصيب 498 طفلا، وتم أسر 790 طفلا في الجبهات المختلفة، في حين عاد 1004 إلى أسرهم"، فيما لا يزال مصير 572 طفلاً مجهولاً حتى لحظة كتابة التقرير.

زراعة الموت

لم تقف المليشيا الحوثية عند هذا الحد من الإجرام، بل ضاعفت من جرائمها بشكل سافر، إذ لم تكتف المليشيا بقصف المناطق السكنية وإرهاب الآمنين وقصف المخيمات وتجنيد الأطفال، بل شرعت بتوزيع الموت في كل مكان، من خلال زرع مئات الآلاف من الألغام في المزارع والطرقات والمنازل والجبال غير آبهة بالنتائج أو مراعية للعواقب.

ورصد التقرير الذي أصدره "المركز الأمريكي للعدالة"، والمعنون بـ"الألغام.. القاتل الأعمى"، حالات القتل والإصابة وتدمير الممتلكات في اليمن، بفعل الألغام التي انفردت مليشيا الحوثيين الإرهابية بزراعتها.

ويشير التقرير الذي صدر بالتزامن مع اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام، إلى أنه منذ يونيو 2014 إلى فبراير 2022، قتل نحو 2526 من المدنيين منهم 429 طفلا و217 امرأة.

كما أصيب 3 آلاف و286 آخرين منهم 723 طفلا و220 امرأة في 17 محافظة يمنية، وقد تعرض 75% للإعاقة الدائمة أو التشويه الملازم لهم طيلة حياتهم.

موقف سلبي

وقد استغلت مليشيا الحوثيين الانقلابية تلك الحالة من الصمت المجتمعي والأممي لتوغل في الإجرام وتطبق حصارا على محافظة تعز منذ العام 2015 وحتى هذه اللحظة.

وبالنظر إلى القضية الشائكة للحصار فإن الأمم المتحدة لا تنظر لحصار تعز كملف إنساني خالص، بل تعاملت معه كورقة سياسية استطاعت مليشيا الحوثيين توظيفها واستغلالها لصالحها، ضمن تعقيدات المشهد العسكري والسياسي اليمني، ومن ثم فهي تراعي فيه موقف المليشيا الحوثية منه. كما أن تنازلات الشرعية السريعة ضمن حساباتها الإنسانية، واستجابتها لمقترحات الأمم المتحدة، فيما يتعلق بمطار صنعاء وميناء الحديدة، شجع الأمم المتحدة على إرجاء ملف حصار تعز لجولة مفاوضات جديدة، فتحت الباب للمليشيا الحوثية للتملص والمماطلة والتسويف، لتستمر معاناة ملايين المواطنين في مدينة تعاني ويلات الحرب والحصار منذ سبع سنوات.

صمت وأرقام مخيفة

تتضاعف نسبة الفقر في اليمن، وتتحدث التقارير عن أرقام مخيفة، وفقا لـ"المنظمة الدولية للهجرة" التابعة للأمم المتحدة، التي أعلنت في تقرير حديث أن أكثر من 25.5 مليون يمني من أصل 30 مليونا إجمالي السكان، باتوا يعيشون تحت خط الفقر، جراء تداعيات الحرب في البلاد، المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، واستمرار قطع رواتب الموظفين، والذي ضاعف من المأساة وفاقم المعاناة، وفي الوقت نفسه تغض المنظمات الدولية والجهات المعنية بالحرب في اليمن الطرف عن النهب الذي تمارسه المليشيا الحوثية، واستغلالها للمال العام، واستحواذها على إيرادات المؤسسات العامة والخاصة في البلاد.

وقد اتهمت منظمة "سام" للحقوق والحريات، في وقت سابق من العام الجاري، مليشيا الحوثيين بسرقة أكثر من 38 شركة كبرى ومؤسسة وجامعة ومستشفى وجمعية وعشرات الفروع التابعة لها، مقدرة قيمتها بنحو 1.7 مليار دولار، وكشفت أن إيرادات تلك المؤسسات الخاصة تقدر بنحو ملياري دولار سنوياً.

وتفيد المنظمة في تقرير لها بعنوان "إقطاعية الحارس وماكينة التضليل" بأن أكثر من 23 قيادياً حوثياً يعملون لصالح الحارس القضائي ويأتمرون بأوامره متورطون في نهب وإدارة أموال الشركات التي استولت عليها المليشيا في صنعاء.

وتقول المنظمة إن نهب الأموال والممتلكات الخاصة باتت منهجية راسخة لدى مليشيا الحوثيين الانقلابية، سيما وقد استحدثت منصبا أطلقت عليه الحارس القضائي ونصّبت القيادي الحوثي المدرج على قائمة العقوبات الدولية "صالح الشاعر" رئيساً له.

شبكة الأمان بلا أمان

ولم تكتف المليشيا الحوثية ببسط يد النهب على المؤسسات الخاصة والعامة والاستيلاء على إيراداتها، حتى شرعت بسرقة آلاف الفقراء بمناطق سيطرتها من خلال استقطاع أجزاء من مبالغ مالية خصصتها منظمات دولية لمساعدتهم في البقاء على قيد الحياة.

فقد كشفت مصادر حقوقية يمنية عن استقطاع قيادات حوثية -تدير مكاتب الشؤون الاجتماعية في المحافظات الخاضعة لسيطرتها- مبالغ مالية من مستحقات الفقراء المستفيدين من مشروع الضمان الاجتماعي، حيث تراوحت بين 3 آلاف و7 آلاف ريال عن كل حالة.

وقد فوجئ المستفيدون من شبكة الضمان الاجتماعي في صنعاء ومدن أخرى بوجود استقطاعات حوثية غير مبررة من تلك المعاشات الزهيدة المخصصة لهم، دعما لما يسمى "المجهود الحربي"، إذ لم تكن المرة الأولى التي تُقدم فيها مليشيا الحوثيين الإرهابية عبر نافذيها على سرقة مستحقاتهم، بل سبق لها أن نهبت مبالغ كبيرة من تلك الحوالات.

فشل متكرر

الموقف السلبي للأمم المتحدة والصمت المريب تجاه الكثير من التجاوزات والانتهاكات التي يمارسها الحوثيون تجاه أبناء الشعب أعطت ضوءا أخضر للمليشيا بتماديها وتوسيع دائرة الانتهاكات، بما فيها المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن، إذ تصاعدت وتيرة مضايقات المليشيا الحوثية لموظفي المنظمات الدولية المشرفة على العمل الإنساني والإغاثي، خلال الأعوام الماضية، في ظل عجز تام للأمم المتحدة عن وقف هذه الممارسات.

وتأتي انتهاكات الحوثيين ضد المنظمات الإنسانية المحلية والدولية العاملة في اليمن، ضمن مساعٍ متكررة لعرقلة أعمالها وإرهاب موظفيها، بهدف فرض الوصاية عليها خدمة لأجندتها المشبوهة وتحقيق مكاسب سياسية ومادية غير مشروعة.

وبالإضافة إلى تكرر الشكاوى لبرنامج الأغذية العالمي ومنسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية حول ما وصفه بسرقة مليشيا الحوثيين للمساعدات وإعاقة تنفيذ المشروعات الإنسانية، فقد صدر تقرير في مارس من العام 2020 لوكالة "أ.ب" الأمريكية، يؤكد ما ذهبت إليه الوكالات الأممية من التعسفات الحوثية تجاه المنظمات.

وبحسب ما ذكرت وكالة "أ.ب"، فقد رفضت مليشيا الحوثيين الجهود الأممية التي بذلت لفرض رقابة على حوالي 370 مليون دولار تقدمها وكالات الإغاثة سنوياً، لمؤسسات حكومية يديرها الحوثيون أو منظمات تابعة لهم، في العديد من المفاوضات شملت محاولات شاقة للبرنامج الأممي من أجل إقناع الحوثيين بإصلاح عملية توزيع الغذاء على مستحقيه عبر اعتماد نظام بصمة العين وإنشاء قاعدة بيانات تساعد على الحد من الاستيلاء على الأغذية الأممية من قبل قادة المليشيا والمسؤولين الموالين لها، غير أن تلك المفاوضات عادة ما تفشل وتفضي إلى التعليق المتكرر لعملية توزيع المساعدات الإغاثية على النازحين والمتضررين مما زاد من معاناة الفقراء، وأضاف إلى كاهلهم المزيد من الصعوبات والمعاناة.

وقد أظهر تقييم دولي للعوائق التي تعترض وصول المساعدات في اليمن، مطلع العام الجاري 2022، أن مناطق سيطرة الحوثيين تتصدر المناطق التي تُفرض فيها قيود مشددة على عمل المنظمات الإغاثية، وبالذات في محافظتي حجة والحديدة، حيث وجد خلال العام الماضي أن 49%‎ من السكان يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، فيما 51‎% يعيشون في مناطق يسهل إيصال المساعدات الإنسانية لها.

خروقات حوثية وصمت أممي

وعلى الرغم من موافقة المليشيا الحوثية على الهدنة ودفع رواتب الموظفين في المناطق التي تسيطر عليها من عائدات ميناء الحديدة بموجب الهدنة المبرمة بين الحوثيين والحكومة الشرعية، إلا أن المليشيا الحوثية مستمرة في التنصل من التزامات اتفاق الهدنة والاتفاقات السابقة بتسخير رسوم عائدات ميناء الحديدة وسفن شحنات الوقود الواصلة تباعا إلى الميناء وإيداعها في فرع البنك المركزي اليمني هناك لدفع رواتب الموظفين الحكوميين.

وتقول مصادر إن أكثر من 1920 خرقا ارتكبتها المليشيا الحوثية منذ إعلان الهدنة قبل نحو خمسة أسابيع وحتى 30 أبريل الماضي.

وتضيف المصادر أن الخروقات الحوثية شملت كافة الجبهات في مختلف المحافظات واستخدمت فيها مختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وطائرات الاستطلاع المسيَّر وعمليات القنص، كما شملت الخروقات استحداث تحصينات وطرقات ومواقع جديدة، إضافة إلى استقدام تعزيزات بشرية ومعدات وذخائر وأسلحة في مختلف الجبهات.

وقد أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، خلال رسالة وجهها في وقت سابق للأمين العام للأمم المتحدة "مطالبة الأمم المتحدة بممارسة كافة الضغوط لاستكمال تنفيذ جميع بنود الاتفاق، وعلى رأسها رفع الحصار عن محافظة تعز، وفتح المعابر والطرق وتسهيل انتقال المواطنين، وكذا تخصيص رسوم الشحنات النفطية الواردة إلى ميناء الحديدة لتسليم رواتب الموظفين".





آخر التعليقات

إضافة تعليق